فصل: آمل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 الاقليم الرابع

أوله حيث يكون الظل إذا استوى الليل والنهار نصف النهار أربعة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم وآخره حيث يكون الظل نصف النهار عند الاستواء خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وثلث خمس قدم‏.‏

يبتديء من أرض الصين والتبت والختن وما بينهما ويمر على جبال قشمير وبلور وأرجان وبذخشان وكابل وغور وخراسان وقومس وجرجان وطبرستان وقوهستان وآذربيجان وأدنى العراق والجزيرة ورودس وصقلية إلى البحر المحيط من الأندلس‏.‏

وطول نهار هؤلاء في أول الإقليم أربع عشرة ساعة وربع وأوسطه أربع عشرة ساعة ونصف وآخره أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة‏.‏

وطوله من المشرق إلى المغرب ثمانية آلاف ومائتان وأربعة عشر ميلاً وأربع عشرة دقيقة وعرضه مائتا ميل وتسعة وتسعون ميلاً وأربع دقائق وتكسيره ألفا ألف وأربعمائة ألف وثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة واثنان وسبعون ميلاً واثنتان وعشرون دقيقة‏.‏

ولنذكر بعض ما فيه من المدن والقرى مرتبة على حروف المعجم والله المستعان وعليه التكلان‏.‏

بليدة بقرب ساوة طيبة إلا أن أهلها شيعة غالية جداً وبينهم وبين أهل ساوة منافرة لأن أهل ساوة كلهم سنية وأهل آبه كلهم شيعة قال القاضي أبو نصر الميمندي‏:‏ وقائلةٍ‏:‏ أتبغض أهل آبه وهم أعلام نظمٍ والكتابه فقلت‏:‏ إليك عني إنّ مثلي يعادي كلّ من عادى الصّحابه بينها وبين ساوة نهر عظيم سيما وقت الربيع‏.‏

بنى عليه أتابك شيركير رحمه الله قنطرة عجيبة وهي سبعون طاقاً ليس على وجه الأرض مثلها‏.‏

ومن هذه القنطرة إلى ساوة أرض طينها الأزب يمتنع على السابلة المرور عليها عند وقع المطر عليها فاتخذ عليها أتابك جادة من الحجارة المفروشة مقدار فرسخين لتمشي عليها السابلة من غير تعب‏.‏

 آذربيجان

ناحية واسعة بين قهستان واران‏.‏

بها مدن كثيرة وقرى وجبال وأنهار كثيرة‏.‏

بها جبل سبلان قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ انه جبل بآذربيجان بقرب مدينة أردبيل من أعلى جبال الدنيا‏.‏

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏ من قرأ‏:‏ سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله تخرجون كتب له من الحسنات بعدد كل ورقة ثلج تسقط على جبل سبلان‏!‏ قيل‏:‏ وما سبلان يا رسول الله قال‏:‏ جبل بين أرمينية وآذربيجان عليه عين من عيون الجنة وفيه قبر من قبور الأنبياء‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ على رأس الجبل عين عظيمة ماؤها جامد لشدة البرد وحول الجبل عيون حارة يقصدها المرضى وفي حضيض الجبل أشجار كبيرة وبينها حشيشة لا يقربها شيء من البهائم فإذا قرب شيء منها هرب وإن أكل منها مات‏.‏

وفي سفح الجبل قرية اجتمعت بقاضيها أبي الفرج بن عبد الرحمن الأردبيلي قال‏:‏ ما هي إلا قرية يحميها الجن‏!‏ وذكر أنهم بنوا مسجداً في القرية فاحتاجوا إلى قواعد لأعمدة المسجد فأصبحوا وعلى باب المسجد قواعد من الصخر المنحوت أحسن ما يكون‏.‏

وبها نهر الرس وهو نهر عظيم شديد جري الماء‏.‏

وفي أرضه حجارة كبيرة لا تجري السفن فيه وله أجراف هائلة وحجارة كبيرة‏.‏

زعموا أن من عبر نهر الرس ماشياً إذا مسح برجله ظهر امرأة عسرت ولادتها وضعت وكان بقزوين شيخ تركماني يقال له الخليل يفعل ذلك وكان يفيد‏.‏

حكى ديسم بن إبراهيم صاحب اذربيجان قال‏:‏ كنت أجتاز على قنطرة الرس مع عسكري فلما صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة حاملة صبياً في قماط فرمحها بغل محمل طرحها وسقط الطفل من يدها في الماء فوصل إلى الماء بعد زمان طويل لطول مسافة ما بين القنطرة وسطح الماء فغاص وطفا بعد زمان يسير وجرى به الماء وسلم من الحجارة التي في النهر‏.‏وكان للعقبان أوكار في اجراف النهر فحين طفا الطفل رآه عقاب فانقض عليه وشبك مخالبه في قماطه وخرج به إلى الصحراء فأمرت جماعة أني ركضوا نحو العقاب ومشيت أيضاً فإذا العقاب وقع على الأرض واشتغل بخرق القماط فأدركه القوم وصاحوا به فطار وترك الصبي فلحقناه فإذا هو سالم يبكي فرددناه إلى أمه‏.‏

وبها نهر زكوير بقرب مرند لا يخوضه الفارس فإذا وصل إلى قرب مرند يغور ولا يبقى له أثر ويجري تحت الأرض قدر أربعة فراسخ ثم يظهر على وجه الأرض أخبر به الشريف محمد بن ذي العقار العلوي المرندي‏.‏

وبها نهر ذكر محمد بن زكرياء الرازي عن الجيهاني صاحب المسالك المشرقية ان باذربيجان نهراً ماؤه يجري فيستحجر ويصير صفائح حجر‏!‏ وقال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ باذربيجان نهر ينعقد ماؤه صخراً صلداً كبيراً وصغيراً‏.‏

وبها عين قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ باذربيجان عين يجري الماء عنها وينعقد حجراً والناس يملأون قالب اللبن من ذلك الماء ثم يتركونه يسيراً فالماء في القالب يصير لبناً حجرياً‏.‏

آرشت وناشقين ضيعتان من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها‏.‏

من عجائبهما أن الحديد ينطبع بآرشت ولا ينطبع بناشقين ولو أوقدوا عليه ما أوقدوا وقدر الصباغ يستوي بناشقين ولا يستوي بارشت ولو أوقدوا تحتها ما أوقدوا فلا يكون بآرشت صباغ ولا بناشين حداد أصلاً‏.‏

وإذا تحول أحد الصانعين إلى الموضع الآخر لم ينجع عمله وهذا شيء مشهور يعرفه أهل تلك البلاد‏.‏

 آمل

مدينة بطبرستان مشهورة‏.‏

حدثني الأمير أبو المؤيد حسام الدين بن النعمان أنه إذا دخلها شيء من الضائنة وإن كانت من أسمن ما يكون تهزل بها جداً بهزل لا يقال إلى هزال المعز‏.‏

وذكر أنه أخبر بذلك فأمر أن يساق عدة رؤوس من الضائنة‏.‏

قال‏:‏ رأيتها بعد ستة أشهر عظاماً مغشية بجلود وبقيت الألايا كالأذناب‏.‏

 أبلة

كورة بالبصرة طيبة جداً نضرة الأشجار متجاوبة الأطيار متدفقة الأنهار مؤنقة الرياض والأزهار لا تقع الشمس على كثير من أراضيها ولا تبين القرى من خلال أشجارها‏.‏

قالوا‏:‏ جنان الدنيا أربع‏:‏ أبلة البصرة وغوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان‏.‏والأبلة جانبان‏:‏ شرقي وغربي أما الشرقي فيعرف بشاطيء عثمان قديماً وهو عثمان بن ابان بن عثمان بن عفان وهو العامر الآن بها الأشجار والأنهار والقرى والبساتين وهو على دجلة‏.‏

وأنهارها مأخوذة من دجلة‏.‏

وبها أنواع الأشجار وأجناس الحبوب وأصناف الثمار لا تكاد تبين قراها في وسطها من التفاف الأشجار‏.‏

وبها مشهد كان مسلحة لعمر بن الخطاب وكانت بها شجرة سدر عظيمة كل غصن منها كنخلة ودورة ساقها سبعة أذرع والناس يأخذون قشرها ويتبخرون به لدفع الحمى وكان ينجع وذكروا انه قلما يخطيء‏.‏

فلما ولي بابكين البصرة أشاروا إليه بقطعها لمصلحة وكان قد ولي البصرة مدة طويلة وحسنت سيرتهم وكان هو في نفسه رجلاً خيراً فلما قطعها أنكر الناس فعزل عن قريب عن البصرة‏.‏

وأما الجانب الغربي من الابلة فخراب غير ان فيه مشهداً يعرف بمشهد العشار وهو مشرف على دجلة وهو موضع شريف قد اشتهر بين الناس ان الدعاء فيه مستجاب‏.‏

وكان في قديم الزمان بهذا الجانب بنيان مشرف على دجلة وبساتين وقصور في وسطها وكان الماء يجري في دورها وقصورها وقد امتحقت الآن آثارها فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال‏!‏ مدينة بأرض الجبال كثيرة المياه والأشجار بناها سابور ذو الأكتاف‏.‏

قالوا‏:‏ كانت عيوناً كلها فسدها سابور بالصوف والجلود وبنى المدينة عليها وهي في غاية النزاهة من طيب الهواء وكثرة المياه والبساتين وخارجها أطيب من داخلها‏.‏

بها بساتين يقال لها بهاء الدين اباد لم ير أكبر منها طولاً وعرضاً‏.‏

وهي عامة ينزل فيها القفل والعساكر لا يمنع أحد منها‏.‏

ولها قهندز يتحصن بها من خالف صاحب البلاد فبطلوها والآن قالوا يأوي إليها السباع لا يجسر أحد أن يأتيها‏.‏

بها عين كل نصل يسقى من مائها يبقى حاداً قطاعاً جداً‏.‏

والمدينة كلها مشتملة على طواحين تدور على الماء وأكثر ثمارها العنب والجوز ونوع من الكمثرى مدورة في حجم النارنج يقال لها العباسي لذيذة جداً ما في البلاد شيء مثلها وعندهم من ذلك كثير جداً يحملونها إلى البلاد للبيع ويعلقونها حتى يأكلوها طول شتائهم يتفكهون بها‏.‏

وأهلها أحسن الناس صورة كلهم أهل السنة لا يوجد فيهم إلا كذلك‏.‏

وفيهم أدباء وفضلاء ولهم اجتماع كلمة على دفع ظلم الولاة لا يغلبم وال أي وقت رأوا منه خلاف عادة قاموا كلهم قيام رجل واحد لدفعه‏.‏

ينسب إليها الشيخ أبو بكر الطاهري كان من الابدال معاصر الشبلي‏.‏

وله بأبهر رباط ينسب إليه وفي رباطه سرداب يدخل فيه كل جمعة ويخرج بأرض دمشق ويصلي الجمعة بجامع دمشق وهذا حديث مشهور عندهم‏.‏

وذكروا أن رجلاً تبعه ذات يوم فإذا هو بأرض لم يرها أبداً والناس مجتمعون لصلاة الجمعة فسأل بعضهم عن ذلك الموضع فضحك وقال‏:‏ أنت في دمشق وتسأل عنها‏!‏ فقام طالع المدينة فلما عاد لم يجد الشيخ هناك فجعل ينادي ويقول للناس ما جرى له فلا يصدقه أحد إلا رجل صالح قال له‏:‏ دع عنك هذا الجزع وانتظره يوم الجمعة المستقبلة فإذا حضر الشيخ ارجع معه‏!‏ فلما حضر الشيخ في الجمعة الأخرى تمسك بذيله فقال له‏:‏ لا تذكر هذا لأحد وأنا آخذك معي‏!‏ ثم أخذه معه وعاد به إلى مكانه وهذه حكاية مشهورة عنه بأبهر‏.‏

وتنسب إليها سكينة الابهرية كانت في زمن الشيخ أبي بكر‏.‏

وينسب إليها الوزير الفاضل الكامل أبو عمرو الملقب بكمال الدين كان حاله شبيهاً بحال إبراهيم بن أدهم وكان وزيراً بقزوين وكان رجلاً لطيفاً فطناً شاعراً بالعربية والعجمية محباً لأهل الخير في زمان وزارته‏.‏

فإذا في بعض الأيام ركب في موكبه ومماليكه وحواشيه فلما خرج عن المدينة قال لمماليكه‏:‏ أنتم أحرار لوجه الله‏!‏ ونزل عن الدابة ولبس اللباد وذهب إلى بيت المقدس وكان يحمل الحطب على ظهره ثم عاد إلى الشام وكان بها إلى أن توفي في سنة تسعين وخمسمائة‏.‏مدينة بخراسان بقرب سرخس بناها باورد بن جودرز وانها مدينة وبيئة رديئة الماء من شرب من مائها يحدث به العرق المديني أما الغريب فلا يفوته البتة وأما المقيم ففي أكثر أوقاته مبتلى به‏.‏

ينسب إليها أبو علي الفضيل بن غياض كان أول أمره يقطع الطريق بين سرخس وأبيورد حتى كان في بعض الربط في بعض الليالي وفي الرباط قفل فيقول بعضهم‏:‏ قوموا لنرحل‏!‏ فيقول البعض الآخر‏:‏ اصبروا فإن الفضيل في الطريق فقال لنفسه‏:‏ أنت غافل والناس يفزعون منك أعود بالله من هذه الحالة‏!‏ فتاب وذهب إلى مكة وأقام بها إلى أن مات‏.‏

وحدث سفيان بن عيينة‏:‏ لما حج الرشيد ذهب إلى زيارة الفضيل ليلاً فلما دخل عليه قال لي‏:‏ يا سفيان أيهم أمير المؤمنين فأومأت إليه وقلت‏:‏ هذا‏!‏ فقال‏:‏ أنت الذي تقلدت أمر هذا الخلق بأحسن الوجه لقد تقلدت أمراً عظيماً‏!‏ فبكى الرشيد وأمر له بألف دينار فأبى أن يقبلها فقال‏:‏ أبا علي ان لم تستحلها فأعطها ذا دين واشبع بها جائعاً واكس بها عارياً‏!‏ فأبى فلما خرج الرشيد قلت له‏:‏ أخطأت لو أخذت وصرفت في شيء من أبواب البر‏!‏ فأخذ بلحيتي وقال‏:‏ أبا محمد أنت فقيه البلد وتغلط مثل هذا الغلط لو طابت لأولئك لطابت لي‏!‏ وحكي أن الفضيل رؤي يوم عرفة على عرفات يبكي إلى آخر النهار ثم أخذ بلحيته وقال‏:‏ واخجلتاه وإن غفرت‏!‏ ومضى‏.‏

وحكي انه كان في جبل من جبال منى فقال‏:‏ لو أن ولياً من أولياء الله أمر هذا الجبل أن يمتد لامتد‏!‏ فتحرك الجبل فقال الفضيل‏:‏ اسكن لم أردك لهذا‏!‏ فسكن الجبل‏.‏

ولد الفضيل بسمرقند ونشأ بأبيورد ومات بمكة سنة سبع وثمانين ومائة‏.‏

 إربل

مدينة بين الزابين لها قلعة حصينة لم يظفر بها التتر مع أنهم ما فاتهم شيء من القلاع والحصون بها مسجد يسمى مسجد الكف فيه حجر عليه أثر كف إنسان ولأهل إربل فيه أقاويل كثيرة ولا ريب انه شيء عجيب‏.‏

ينسب إليها الملك مظفر الدين كوكوبري بن زين الدين علي الصغير‏.‏

كان ملكاً شجاعاً جواداً غازياً له نكايات في الفرنج يتحدث الناس بها وكان معتقداً في أهل التصوف بنى لهم رباطاً لم يزل فيه مائتا صوفي شغلهم الأكل والرقص في كل ليلة جمعة‏.‏

وكل من جاءه من أهل التصوف آواه وأحسن إليه وإذا أراد السفر أعطاه ديناراً‏.‏

ومن أتاه من أهل العلم والخير والصلاح أعطاه على قدر رتبته‏.‏

وفي العاشر من ربيع الأول كان له دعوات وضيافات وفي هذا الوقت يجتمع عنده خلق كثير من الأطراف‏.‏

وفي اليوم الثاني عشر مولد النبي عليه السلام كان له دعوة عظيمة يحضرها جميع الحاضرين ويرجع كل واحد بخير‏.‏

وكان يبعث إلى الفرنج أموالاً عظيمة يشترى بها الأسارى‏.‏

عمر عمراً طويلاً ومات سنة تسع وعشرين وستمائة‏.‏

 اردبهشتك

قرية من قرى قزوين على ثلاثة فراسخ منها‏.‏

من عجائبها عين ماء من شرب منها انطلق انطلاقاً عظيماً ويقصدها الناس من الأطراف في فصل الربيع لتنقية الباطن وبينها وبين قزوين نهر إذا جاوزوا بمائها ذلك النهر تبطل خاصيته وقد حمل من ذلك الماء إلى قزوين في جرار واستعمل ولم يعمل شيئاً‏.‏

ومن خاصية هذا الماء ان أحداً يقدر أن يشرب منه خمسة أرطال أو ستة بخلاف غيره‏.‏

 أردبيل

مدينة بآذربيجان حصينة طيبة التربة عذبة الماء لطيفة الهواء في ظاهرها وباطنها أنهار كثية ومع ذلك فليس بها شيء من الأشجار التي لها فاكهة‏.‏

والمدينة في فضاء فسيح وأحاط بجميع ذلك الفضاء الجبال بينها وبين المدينة من كل صوب مسيرة يوم‏.‏

ومن عجائبها أنه إذا بناها فيروز الملك وهي من البحر على يومين بينهما دخلة شعراء عظيمة كثيرة الشجر جداً يقطعون منها الخشب الذي منه الأطباق وقصاع الخلنج‏.‏

وفي المدينة صناع كثير لإصلاحها‏.‏

ومن عجائبها ما ذكره أبو حامد الأندلسي قال‏:‏ رأيت خارج المدينة في ميدانها حجراً كبيراً كأنه معمول من حديد أكبر من مائتي رطل إذا احتاج أهل المدينة إلى المطر حملوا ذلك الحجر على عجلة ونقلوه إلى داخل المدينة فينزل المطر ما دام الحجر فيها فإذا أخرج منها سكن المطر‏.‏

والفأر بها كثير جداً بخلاف سائر البلاد وللسنانير بها عزة ولها سوق تباع فيه ينادون عليها انها سنورة صيادة مؤدبة لا هرابة ولا سراقة ولها تجار وباعة ودلالون ولها راضة وناس يعرفون‏.‏

قال سندي بن شاهك وهو من الحكماء المشهورين‏:‏ ما أعناني سوقة كما أعناني أصحاب السنانير يعمدون إلى سنور يأكل الفراخ والحمام ويكسر قفص القماري والحجل والوراشين ويجعلونه في بستوقة يشدون رأسها ثم يدحرجونها على الأرض حتى يأخذه الدوار فيجعلونه في القفص مع الفراخ فيشغله الدوار عن الفراخ‏.‏

فإذا رآه المشتري رأى عجيباً وظن انه ظفر بحاجته فيشتريه بثمن جيد فإذا مضى به إلى البيت وزال دواره يبقى شيطاناً يأكل جميع طيوره وطيور جيرانه ولا يترك في البيت شيئاً إلا سرق وأفسد وكسر فيلقى منه التباريح‏.‏وأهل أردبيل مشهورون بكثرة الأكل حكى بعض التجار قال‏:‏ رأيت بها راكباً وقدامه طبول وبوقات سألت عن شأنه فقالوا‏:‏ إنه تراهن على أكل تسعة أرطال أرز ورأس بقر وقد فعل ورطل أردبيل ألف وأربعون درهماً وأرزهم إذا طبخ يصير ثلاثة أضعاف فإنه قد غلب‏.‏

 أرسلان كشاد

قلعة كانت على فرسخين من قزوين على قلة جبل‏.‏

ذكر أن الإسماعيلية في سنة خمس وتسعين وخمسمائة جاؤوا بالآلات على ظهر الدواب إليها في ليلة فلما أصبح أهل قزوين سدت مسالكها فصعب عليهم ذلك فشكوا إلى ملوك الأطراف فما أفادهم ذلك شيئاً حتى قال الشيخ علي اليوناني وكان صاحب كرامات وعجائب‏:‏ أنا أكشف عنكم هذه الغمة‏!‏ فكتب إلى خوارزمشاه تكش بن ايل ارسلان بن اتسز‏:‏ بعلامة انك كنت في ليلة كذا وكذا كنت وحدك تفكر في كذا وكذا انهض لدفع هذا الشر عن أهل قزوين وإلا لتصابن في ملكك ونفسك‏!‏ فلما قرأ خوارزمشاه كتابه قال‏:‏ هذا سر ما اطلع عليه غير الله‏!‏ فجاء بعساكره وحاصر القلعة وأخذها صلحاً وشحنها بالسلاح والرجال وسلمها إلى المسلمين وعاد‏.‏

وكانت الباطنية قد نقبوا طريقاً من القلعة إلى خارجها وأخفوا بابها فدخلوا من ذلك النقب ليلاً فلما أصبحوا كانت القلعة تموج من الرجال الباطنية فقتلوا المسلمين وملكوا القلعة فبعث الشيخ إلى خوارزمشاه مرة أخرى فجاء بنفسه وحاصرها بعساكره وأهل قزوين شهرين والباطنية عرفوا أن السلطان لا يرجع دون العرض فاختاروا تسليمها على أمان من فيها فأجابهم السلطان إلى ذلك‏.‏

قالوا‏:‏ نحن ننزل عن القلعة دفعتين فإن لم تتعرضوا للفرقة الأولى تنزل الثانية والقلعة لكم وإن تعرضتم للفرقة الأولى فالفرقة الثانية تمنعكم عن القلعة‏.‏

فلما نزلوا خدموا للسلطان وذهبوا كلهم فانتظر المسلمون نزول الفرقة الثانية فما كان فيها أحد نزلوا كلهم دفعة فأمر السلطان بتخريبها وابطال حصانتها وهي كذلك إلى زماننا هذا والله الموفق‏.‏

 أرمية

بلدة حصينة بآذربيجان كثيرة الثمرات واسعة الخيرات بقربها بحيرة يقال لها بحيرة أرمية وهي بحيرة كريهة الرائحة لا سمك فيها‏.‏

وفي وسط البحيرة جزيرة بها قرى وجبال وقلعة حصينة حولها رساتيق لها مزارع واستدارة البحيرة خمسون فرسخاً يخرج منها ملح يجلو شبه التوتيا وعلى ساحلها مما يلي الشرق عليون ينبع الماء منها وإذا أصابه الهواء يستحجر‏.‏

ومن عجائبها ما ذكر صاحب تحفة الغرائب‏:‏ ان في بطائح بحر ارمية سمكة تتخذ من دهنها ومن الموم شمعة وتنصب على طرف سفينة فارغة تخلى على وجه الماء فإن السمك يأتي بنور ذلك الشمع ويرمي نفسه في السفينة حتى تمتليء السفينة من السمك ولتكن سفينة مقعرة حتى لا يفلت السمك منها‏.‏

أستوناوند قلعة مشهورة بدنباوند من أعمال الري‏.‏

وهي من القلاع القديمة والحصون الحصينة عمرت منذ ثلاثة آلاف سنة لم يعرف انها أخذت قهراً إلى أن تحصن بها ابن خوارزمشاه ركن الدين غورسايحي عند ورود التتر سنة ثماني عشرة وستمائة وقد عرض عليه استوناوند وأردهن فترجح استوناوند في نظره مع حصانة أردهن‏.‏

قالوا‏:‏ لو كان على اردهن رجل واحد لم تؤخذ منه قهراً أبداً إلا إذا أعوزته الميرة فتحصن بها فعلم التتر به ونزلوا عليها وجمعوا حطباً كثيراً جعلوه حولها ثم أضرموا في النار فانصدع صخرها وتفتت وزالت حصانتها ثم صعدوا وابن خوارزمشاه قاتل حتى قتل‏.‏

أسفجين قرية من قرى همذان من ناحية يقال لها ونجر بها منارة الحوافر وهي منارة عالية من حوافر حمر الوحش حكى أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني أن شابور بن أردشير الملك حكم منجموه انه يزول الملك عنه ويشقى ثم يعود إليه فقال لهم‏:‏ ما علامة عود الملك قالوا‏:‏ إذا أكلت خبزاً من الذهب على مائدة من الحديد‏!‏ فلما ذهب ملكه خرج وحده تخفضه أرض وترفعه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فأجر نفسه من شيخ القرية يزرع له نهاراً ويطرد الوحش عن الزرع ليلاً فبقي على ذلك مدة وكانت نفسه نفس الملوك فرأى شيخ القرية منه أمانة وجلادة فزوج بنته منه فلما تم على ذلك أربع سنين وانقضت أيام بؤسه اتفق ان كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم وكانت امرأة شابور تحمل إليه كل يوم طعامه فكانت في ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى ما بعد العصر‏.‏

فلما ذكرت عادت إلى بيتها فما وجدت إلا قرصين من الدخن فحملتهما إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية‏.‏

فمد المسحاة إليها فجعلت القرصين عليها فقعد يأكلهما فتذكر قول المنجمين‏:‏ أكل خبز الذهب على مائدة الحديد‏.‏

فعرف أن أيام البؤس انقضت فظهر للناس واجتمع عليه العساكر وعاد إلى ملكه‏.‏

فقالوا‏:‏ ما أشد شيء عليك في أيام البؤس قال‏:‏ طرد الوحوش عن الزرع بالليل‏!‏ فصادوا في ذلك الموضع من حمر الوحش ما لا يحصى وأمر أن يبنى من حوافرها منارة فبنوا منارة ارتفاعها خمسون ذراعاً ودورتها ثلاثون مصمتة بالكلس والحجارة وحوافر الوحش حولها مسمرة بالمسامير والمنارة مشهورة في هذا الموضع إلى زماننا‏.‏

 أسفرايين

بلدة بأرض خراسان مشهورة أهلها أهل الخير والصلاح‏.‏

من مفاخرها أبو الفتوح محمد بن الفضل الاسفراييني‏.‏

كان إماماً فاضلاً عالماً زاهداً أسرع الناس عند السؤال جواباً وأسكتهم عند الايراد خطاباً مع صحة العقيدة والخصال الحميدة وقلة الالتفات إلى الدنيا وذويها‏.‏

سكن بغداد مدة فلما اعتزم العود إلى خراسان شكا إليه أصحابه من مفارقته فقال‏:‏ لعل الله أراد أن تكون تربتي في جوار رجل صالح‏!‏ فلما وصل إلى بسطام فارق الدنيا ودفن بجنب الشيخ أبي يزيد البسطامي‏.‏

وحكى شيخ الصوفية ببسطام وهو عيسى بن عيسى قال‏:‏ رأيت أبا يزيد في النوم يقول‏:‏ يصل إلينا ضيف فأكرموه‏!‏ فوصل في تلك الأيام الشيخ أبو الفتح وفارق الدنيا‏.‏

وكنت جعلت لنفسي موضعاً عند تربة الشيخ أبي يزيد فآثرت الشيخ أبا الفتح به ودفنته بجنب أبي يزيد‏.‏

 اشتروين

ضيعة كبيرة من ضياع قزوين على مرحلتين منها‏.‏

انها كانت قرية غناء كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏

نزل بها الشيخ نور الدين محمد بن خالد الجيلي وكان رجلاً عظيم الشأن صاحب الآيات والكرامات اتخذها وطناً وتزوج بها فحلت بها البركة وصارت أعمر مما كانت وأوفر ريعاً وأكثر أهلاً‏.‏

وكان الشيخ يزرع بها شيئاً يسيراً فيحصل منه ريع كثير يفي بنفقته أهله وضيافة زواره‏.‏

وكان الشيخ كثير الزوار يقصده الناس من الأطراف‏.‏

ومن العجب انه وقع بتلك الأرض في بعض السنين جراد ما ترك رطبها ولا يابسها وما تعرضت لزرع الشيخ بسوء‏.‏

وكانت تلك القرية محط الرحال ومحل البركة بوجود هذا الشيخ إلى أن جهلت سفهاؤها نعم الله تعالى عليهم بجوار هذا الشيخ فقالوا‏:‏ ان زروعنا تيبس بسبب زرع الشيخ لأن الماء يقصر عن زروعنا بسبب زرعه‏!‏ فلما سمع الشيخ ذلك فارق تلك القرية وتحول بأهله إلى قزوين في سنة أربع عشرة وستمائة‏.‏

فلما خرج الشيخ منها كانت كبيت نزع عماده وانهارت قبابها وانقطع الماء الذي كانوا يبخلون به على الشيخ فأخرج دهاقينها أموالاً كثيرة لعمارة القناة فما أفادهم شيئاً‏.‏

وإلى الآن هي خراب‏.‏مدينة عظيمة من أعلى المدن ومشاهيرها جامعة لأشتات الأوصاف الحميدة من طيب التربة وصحة الهواء وعذوبة الماء وصفاء الجو وصحة الأبدان وحسن صورة أهلها وحذقهم في العلوم والصناعات حتى قالوا‏:‏ كل شيء استقصى صناع أصفهان في تحسينها عجز عنها صناع جميع البلدان قال الشاعر‏:‏

لست آسى من أصفهان على شيءٍ ** سوى مائها الرّحيق الزّلال

ونسيم الصّبا ومنخرق الرّي **ح وجوٍّ صافٍ على كلّ حال

يبقى التفاح بها غضاً سنةً والحنطة ** لا تتسوس بها واللحم لا يتغير أياماً‏.‏

المدينة القديمة تسمى جي قالوا‏:‏ إنها من بناء الإسكندر‏.‏

والمدينة العظمى تسمى اليهودية وذاك أن بختنصر أخذ أسارى بيت المقدس أهل الحرف والصناعات فلما وصلوا إلى موضع أصفهان وجدوا ماءها وهواءها وتربتها شبيهة ببيت المقدس فاختاروها للوطن وأقاموا بها وعمروها‏.‏

وهي مدينة ترابها كحل وحشيشها زعفران وونيم ذبابها عسل‏.‏

من عجائبها أمر تفاحها فإنها ما دامت في أصفهان لا يكون لها كثير رائحة فإذا أخرجت منها فاحت رائحتها حتى لو كانت تفاحة في قفل لا يبقى في القفل أحد إلا يحس برائحتها‏.‏

وبها نوع من الكمثرى يقال له ملجي ليس في شيء من البلاد مثله‏.‏

وإذا وصلوا شجرة الكمثرى ولصناعها يد باسطة في تدقيق الصناعات لا ترى خطوطاً كخطوط أهل أصفهان ولا تزويقاً كتزويقهم وهكذا صناعهم في كل فن فاقوا جميع الصناع حتى ان نساجها ينسج خماراً من القطن أربعة أذرع وزنها أربعة مثاقيل‏.‏

والفخار يعمل كوزاً وزنه أربعة مثاقيل يسع ثمانية أرطال ماء وقس على هذا جميع صناعاتهم‏.‏

وأما أرباب العلوم كالفقهاء والأدباء والمنجمين والأطباء فأكثر من أهل كل مدينة سيما فحول الشعراء أصحاب الدواوين فاقوا غيرهم بلطافة الكلام وحسن المعاني وعجيب التشبيه وبديع الاقتراح مثل رفيع فارسي دبير وكمال زياد وشرف شفروه وعز شفروه وجمال عبد الرزاق وكمال إسماعيل ويمن مكي‏.‏

فهؤلاء أصحاب الدواوين الكبار لا نظير لهم في غير أصفهان‏.‏

وينسب إليها الأديب الفاضل أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني ذكر في ذلك أخبار العرب وعجائبها وأحسن أشعارهم‏.‏

كتاب في غاية الحسن كثير الفوائد لم يسبقه في ذلك أحد‏.‏

وينسب إليها الأستاذ أبو بكر بن فورك كان أشعرياً لا تأخذه في الله لومة لائم درس ببغداد مدة‏.‏

وكان جامعاً لأنواع العلوم صنف أكثر من مائة مجلد في الفقه والتفسير وأصول الدين‏.‏

ثم ورد نيسابور فبنوا له داراً ومدرسة قال الأستاذ أبو القاسم القشيري‏:‏ حكى أبو بكر بن فورك قال‏:‏ حملت إلى شيراز مقيداً لفتنة في الدين فوافينا البلد ليلاً فلما أسفر النهار ورأيت في مسجد على محرابه مكتوباً‏:‏ أليس الله بكاف عبده فعلمت أن الأمر سهل وطبت به نفساً وكان الأمر كذلك ثم دعي إلى غزنة وجرت له بها مناظرات مع الكرامية‏.‏

فلما عاد سم في الطريق ودرج ودفن بنيسابور ومشهده ظاهر بها يستسقى به ويجاب الدعاء فيه‏.‏

وينسب إليها الحافظ أبو نعيم الأصفهاني واحد عصره وفريد دهره‏.‏

هو صاحب حلية الأولياء وله تصانيف كثيرة وله كرامات‏:‏ حكي أن أهل أصفهان تعصبوا عليه ومنعوه من الجامع فبعث السلطان محمود إليهم والياً فوثبوا إليه وقتلوه فذهب السلطان إليهم بنفسه وآمنهم حتى اطمأنوا ثم قصدهم يوم الجمعة وأخذ أبواب الجامع وقتل فيهم مقتلة عظيمة‏.‏

فمن كان في الجامع قتل والحافظ أبو نعيم كان ممنوعاً من الجامع فسلم‏.‏

وينسب إليها صدر الدين عبد اللطيف الخجندي‏.‏

كان رئيساً مطاعاً في أصفهان عالماً واعظاً شاعراً يهابه السلاطين ويتبعه مائة ألف مسلح‏:‏ محمد بن ايلدكز أتابك السلجوقية أخذه معه لا يخليه يرجع إلى أصفهان مدة مديدة لأنه ما أراد أن يقبض عليه ظاهراً ولا أن يخليه لأنه يخاف شره فكان يستصحبه فاتخذ يوماً مجلس الوعظ وأتابك حاضر في ملجس وعظه وله ابنان صغيران واقفان بين يديه فصدر الدين شاهد ذلك على المنبر فاتخذ الفرصة وأنشد‏:‏ شاه با بندكان جفا نكند وركند رحمتش رها نكند هر كرا طفلكان خرد بود بدر از طفلكان جدا نكند بكى أتابك بكاء شديداً وكان ملكاً عادلاً رحيماً رحمه الله‏.‏

وتوفي صدر الدين في شوال سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة‏.‏

ذكر أن أهل أصفهان موصوفون بالشح‏.‏

نقل عن الصاحب أبي القاسم بن عباد وزير مجد الدولة من آل بويه انه كان يقول لأصحابه إذا أراد دخول أصفهان‏:‏ من له حاجة فليسأل قبل دخول أصفهان فإني إذا دخلتها وجدت في نفسي شحاً لم أجد في غيرها‏!‏ حكى رجل أنه تصدق برغيف على ضرير بأصفهان فقال الضرير‏:‏ أحسن الله غربتك‏!‏ فقال الرجل‏:‏ كيف عرفت غربتي قال‏:‏ لأني منذ ثلاثين سنة ما أعطاني أحد رغيفاً صحيحاً‏!‏ وحدث الأمير حسام الدين النعمان‏:‏ أن البقر بأصفهان يقوى حتى لو حصل فيها أعجف ما يكون بعد مدة يسيرة يبقى قوياً سميناً حتى يعصي ولا ينقاد‏.‏

بها مسجد يسمى مسجد خوشينه‏.‏

زعموا أن من حلف كاذباً في هذا المسجد تختل أعضاؤه وهذا أمر مستفيض عند أهل أصفهان‏.‏

بها نهر زرنروذ وهو موصوف بعذوبة الماء ولطافته يغسل الغزل الخشن بهذا الماء فيبقى ليناً ناعماً مثل الحرير مخرجه من قرية يقال لها بناكان ويجتمع إليه مياه كثيرة فيعظم أمره ويمتد ويسقي بساتين أصفهان ورساتيقها ثم يمر على مدينة أصفهان ويغور في رمال هناك‏.‏

ويخرج بكرمان على ستين فرسخاً من الموضع الذي يغور فيه فيسقي مواضع بكرمان ثم يصب في بحر الهند‏.‏

ذكر أنهم أخذوا قصبة وعلموها بعلائم وأرسلوها في الموضع الذي يغور فيه فوجدوها بعينها بأرض كرمان فاستدلوا بذلك على أنه نهر زرنروذ‏.‏

أفشنة قرية من ناحية خرميثن من ضياع بخارى قال أبو عبيد الجوزجاني‏:‏ حدثني أستاذي أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا أن أباه كان من بلخ انتقل إلى بخارى في زمن نوح بن نصر الساماني وتصرف في الأعمال وتزوج بأفشنة فولدت بها وطالعي السرطان والمشتري والزهرة فيه والقمر وعطارد في السنبلة والمريخ في العقرب والشمس في الأسد وكان المشتري في السرطان على درجة الشرف والشعرى مع الرأس على درجة الطالع فكانت الكواكب كلها في الحظوظ قال‏:‏ فلما بلغت سن التمييز سلمني إلى معلم القرآن ثم إلى معلم الأدب فكان كل شيء قرأه الصبيان على الأديب احفظه والذي كلفني أستاذي كتاب الصفات وكتاب غريب المصنف ثم أدب الكتاب ثم إصلاح المنطق ثم كتاب العين ثم شعر الحماسة ثم ديوان ابن الرومي ثم تصريف المازني ثم نحو سيبويه فحفظت تلك الكتب في سنة ونصف ولولا تعويق الأستاذ لحفظتها بدون ذلك وهذا مع حفظي وظائف الصبيان في المكتب‏.‏

فلما بلغت عشر سنين كانوا في بخارى يتعجبون مني ثم شرعت في الفقه فلما بلغت اثنتي عشرة سنة صرت أفتي في بخارى على مذهب أبي حنيفة ثم شرعت في علم الطب وصنفت القانون وأنا ابن ست عشرة سنة فمرض نوح بن نصر الساماني فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعوني أيضاً معهم فرأوا معالجتي خيراً من معالجات كلهم فصلح على يدي فسألت أن يوصي لخازن كتبه أن يعيرني كل كتاب طلبت ففعل فرأيت في خزانته كتب الحكمة من تصانيف أبي نصر بن طرخان الفارابي فاشتغلت بتحصيل الحكمة ليلاً ونهاراً حتى حصلتها‏.‏

فلما انتهى عمري إلى أربع وعشرين كنت أفكر في نفسي أنه لا شيء من العلوم لا أعرفه‏.‏

إلى ههنا نقل الجوزجاني عن الشيخ الرئيس‏.‏

وحكى غيره أن دولة السامانية لما انقرضت صارت مملكة ما وراء النهر لبني سبكتكين فلما ولي السلطان محمود سعى الحساد إلى السلطان في حق أبي علي فهرب من بخارى إلى خراسان واجتمع بصاحب نسا فإنه كان ملكاً حكيماً فأكرمه فعرف أعداؤه السلطان أنه عند صاحب نسا فقال لوزيره‏:‏ اكتب إلى صاحب نسا ان ابعث إلينا رأس أبي علي‏!‏ فكتب إلى صاحب نسا‏:‏ ان كان أبو علي عندك فابعده سريعاً‏!‏ وكتب بعد يوم على يد قاصد آخر ان ابعث إلينا رأس أبي علي‏.‏

فلما وصل القاصد الأول أبعده فلما وصل الثاني قال‏:‏ إنه كان عندنا فمشى منذ مدة‏!‏ فعزم أبو علي طبرستان خدمة شمس المعالي قابوس بن وشمكير وكان ملكاً فاضلاً حكيماً فلما ورد طبرستان كان قابوس محبوساً في قلعة فأتى ارض الجبال مملكة آل بويه خائفاً فورد همذان وقصد فصاداً يفصد الناس‏.‏

فطلب يوماً لفصد امرأة فلما رآها قال‏:‏ الفصد لا يصلح لها وأبى‏.‏

فطلبوا غيره فلما فصدها غشي عليها فقالوا لأبي علي‏:‏ كنت أنت مصيباً فدبر أمرها‏.‏

فوصف شيئاً من المقويات فصلحت فتعجبوا من ذكائه وقالوا‏:‏ إنه طبيب جيد‏.‏

ومرضت امرأة من بنات الملوك وعجز الأطباء عن علاجها فرآها أبو علي وقال‏:‏ مرضها العشق‏!‏ فأنكرت المرأة‏.‏

قال أبو علي‏:‏ إن شئتم أعين لكم من تعشقه‏!‏ اذكروا أسامي من يكون صالحاً لذلك وأنا أجس نبضها‏!‏ فلما ذكروا اسم معشوقها اضطرب نبضها وتغير حالها فعرف ذلك منها‏.‏

قالوا‏:‏ فما علاجها قال‏:‏ ان العشق تمكن منها تمكناً شديداً إن لم تزوجوها تتلف‏!‏ فاشتهر عند أهل همذان انه طبيب جيد حتى جاء ناس من بخارى خدموا لأبي علي خدمة الملوك‏.‏

فسأل أهل همذان عنهم فقالوا‏:‏ هذا أبو علي بن سينا‏.‏

فعرف بهمذان وذكروا أن شمس الدولة صاحب همذان كان مبتلى بالقولنج فعالجه أبو علي فاستوزره شمس الدولة فبقي في وزارته مدة وكانت دولة آل بويه متزلزلة بين أولاد الأعمام يحارب بعضهم بعضاً فلقي من الوزارة تعباً شديداً حتى نهب داره وكتبه‏.‏

فلما مات شمس الدولة وجلس ابنه مكانه استعفى أبو علي عن الوزارة واتصل بعلاء الدولة صاحب أصفهان وكان ملكاً حكيماً أكرم مثواه وكان عنده إلى أن فارق الدنيا سنة ثمان وعشرين وأربعمائة عن ثمان وخمسين سنة ودفن بهمذان‏.‏

الموت قلعة حصينة من ناحية روذبار بين قزوين وبحر الخزر على قلة جبل وحولها وهاد لا يمكن نصب المنجنيق عليها ولا النشاب يبلغها‏.‏

وهي كرسي ملك الإسماعيلية قيل‏:‏ ان بعض ملوك الديلم أرسل عقاباً للصيد وتبعها فرآها وقعت على هذا الموضع فوجده موضعاً حصيناً فاتخذه قلعة وسماها إله أموت أي تعليم العقاب بلسان الديلم‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ اسم القلعة بتاريخها لأنها بنيت في سنة ست وأربعين وأربعمائة وهي م و ت‏.‏

ينسب إليها حسن الصباح داعي الباطنية وكان عارفاً بالحكمة والنجوم والهندسة والسحر ونظام الملك كان يكرمه لفضله فقال يوماً بطريق الفراسة‏:‏ عما قريب يصل هذا جمعاً من ضعفاء العوام‏!‏ فذهب الصباح إلى مصر ودخل على المستنصر واستأذن منه أن يدعو الناس إلى بيعته وكان خلفاء مصر يزعمون أنهم من نسل محمد بن إسماعيل بن جعفر فعاد الصباح إلى بلاد العجم حتى وصل إلى ناحية روذبار فرأى شخصاً على غصن شجرة وهو يضرب أصل الغصن بالفأس فقال في نفسه‏:‏ لا أجد قوماً أجهل من هؤلاء‏!‏ فألقى جرانه هناك وأظهر النسك وكان كوتوال الموت رجلاً علوياً حسن الظن في الصباح فأحكم الصباح أمره مع الناس وأخرج العلوي من القلعة‏.‏

وكان معه صبي قال هو من نسل محمد بن إسماعيل والإمامة كانت لأبيه والآن له واحكم أساس دعوته فيهم وقال للقوم‏:‏ لا بد للناس من معلم ومعلمكم هذا الصبي وطاعة هذا المعلم واجب عليكم فإذا رضي عنكم سعدتم في الدنيا والآخرة ولا حاجة بكم إلى شيء سوى طاعة المعلم‏.‏

فاستخف قومه فأطاعوه حتى صاروا يفدون أنفسهم له فلما عرف علماء الإسلام اعتقادهم وإخلالهم بأركان الدين افتوا بإلحادهم وجعلوا يغزونهم ويسبون منهم فقتلوا جمعاً من العظماء على يد الفداية منهم‏:‏ الخليفة المسترشد ونظام الملك وبكتمر صاحب أرمن وانقلمس صاحب العراق‏.‏

فخاف منهم ملوك جميع الأطراف‏.‏

وفي زمن المستعصم ظهر شخص باليمن يدعي الخلافة فاجتمع عليه قوم بعثوا إليه فقتلوه وكانت شوكتهم باقية إلى أن قتلوا واحداً من عظماء التتر فحاصروهم سبع سنين فتلفوا على القلاع جوعاً وهلكوا ومنهم من نزل فقتلوهم عن آخرهم واندفع شرهم‏.‏